ستة أسباب رئيسية هي التي ساهمت في منح الحكومة التركية حق الحصول على الجنسية التركية للأجانب مقابل شراء عقارات في تركيا بقيمة 250 ألف دولار أمريكي فقط
إنّ التحفيز الذي يعيشه المستثمر العقاري الأجنبي ليس أمراً حادثاً أو شيئاً جديداً في هذه البلاد، بل نستطيع أن نقول أن التوجهات التركية الحكومية منذ عام 2012 تشهد سن قوانين وتشريعات لتحفيز المستثمرين العقاريين على شراء عقارات في تركيا، وافتتاح استثمارات عقارية جديدة وخلق فرص عمل للأتراك والأجانب في تركيا، وقد دخل موضوع الحصول على الجنسية التركية على خط الاستثمار العقاري، فقد أصدرت الحكومة التركية قانوناً يسمح للأجانب الذي يشترون عقارات في تركيا بقيمة مليون دولار أمريكي كحد أدنى في مطلع عام 2017 ، وقد كان هذا القرار محفزاً للعديد من عمليات شراء البيوت في تركيا خلال السنة الماضية وخاصةً من بلدان الشرق الأوسط، ثم جاء التعديل الأخير يوم الأربعاء في التاسع عشر من أيلول/ سبتمبر من عام 2018، لينخفض الحد الأدنى لـ 250 ألف دولار أمريكي بما يعني التخفيض إلى الربع.

فما الأسباب التي دفعت تركيا لهذا التعديل؟
دعم الاقتصاد التركي
يحاول الأتراك عموماً المحافظة على تنمية اقتصادهم وزيادة موارده وفرص الحفاظ على تصاعده، فتركيا اليوم تمتلك ثاني اقتصاد أوربي من حيث النمو حيث كانت نسبة النمو الاقتصادي العام الماضي 7.4% في حين كانت الأولى أوربياً إيرلندا بنسبة نمو 7.8%، وتجنباً لتأثر الاقتصاد التركي.

تمثّل هذه الخطوة التي قامت بها تركيا زيادة في الإقبال على شراء العقارات في تركيا وزيادة حركة السوق، ناهيك عما توفره هذه الاستثمارات من فرص عمل جديدة إن كانت العقارات تجارية.

دعم الليرة التركية
تعيش الليرة التركية منذ نصف سنة تقريباً عدة تقلبات في سعر الصرف أمام الدولار الأمريكي وباقي العملات الأجنبية، فلذلك كانت الخطط الحكومية التركية قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في حزيران2017 وبعدها كلها تصب في زيادة النقد الأجنبي الاحتياطي في المصارف التركية، وزيادة ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين بالقطاع الاقتصادي التركي، كما أنّ هذه الخطوة جاءت تماشياً مع هبوط الليرة التركية أمام الدولار، ففي فترة إصدار هذا القرار أول مرة كانت المليون دولار تقابل 3 مليون ليرة تركية تقريباً، أما الآن فهي تساوي 6 مليون ليرة تركية كحد أدنى، لذلك كان لا بدّ من تخفيض الحد الأدنى ليتوافق مع التغير في سعر الليرة التركية.

إنّ العقارات لا تتأثر سلباً بتغير قيمة صرف العملات المحلية أمام العملات الأجنبية والعالمية الأخرى، لكن يمكن أن يُستفاد من تقلبات الصرف لإصدار وسن قوانين تحفيزية للمستثمرين، فإنّ التعامل مع اقتصاد دولة قوية وذات حضور في الأسواق العالمية لا يمكن أن يُقارن بالتعامل مع الدول الضعيفة والتي تتأثر كل قطاعاتها الحيوية والاقتصادية سلباً بأي طارئ.

اقرأ أيضاً: لماذا لن يتأثر سوق العقارات في تركيا سلباً بهبوط الليرة التركية؟

زيادة الناتج المحلي الإجمالي في تركيا
من الأمور المهمة لتركيا هي زيادة الناتج المحلي للبلاد، وتعدّ زيادة إنتاجية الموارد البشرية من المواطنين الأتراك من أهم العوامل التي تساهم في ارتفاع الناتج المحلي، ووصول مستثمرين عقاريين ومن رؤوس الأموال وحضورهم كمواطنين أتراك داخل أسواق الاقتصاد التركي في قطاعاته المختلفة كل ذلك من مصلحة تركيا.

ناهيك عما يترتب من حصول المستثمرين العقاريين على الجنسية التركية من افتتاح مشاريع جديدة وخلق فرص إضافية للعمل مما يزيد من متوسط دخل الفرد في تركيا.

تحافظ تركيا بهذه الإجراءات على زيادة وتصاعد الناتج المحلي السنوي والذي بلغ 10% في السنة الماضية.

دعم رؤية 2023
ربما يعتبر هذا السبب من أهم الأسباب التي دفعت الأتراك لاتخاذ مثل هذا القرار، حيث قد وضعت حكومة العدالة والتنمية خطة ورؤية مستقبلية للبلاد منذ عام 2002 والتي تهدف إلى الوصول إلى مراتب متقدمة عالمياً على أصعدة عدة وأهمها الجانب الاقتصادي، فتطمح تركيا لتكون من ضمن أول عشر دول اقتصادياً مع حلول عام 2023.

هذه الرؤية قد اقترب موعدها وقد قطعت تركيا شوطاً كبيراً لتحقيقها، لذلك تحاول تركيا دائماً السعي لضمان تحقيق هذه الرؤية وعدم التأثر سلباً بأي أزمة تعرضت أو قد تتعرض لها تركيا لاحقاً، فهي تحاول الحفاظ على أرضية جيدة وصلبة للاقتصاد بعيداً عن تحكم صندوق النقد الدولي الذي استعاضت عنه بالتمويل الاستثماري الأجنبي.

اقرأ أيضاً: الاستثمار العقاري في تركيا .. بين الماضي والمستقبل

زيادة ميل تركيا للشرق الأوسط
كانت الحكومات التركية السابقة تجهد دائماً إلى إرضاء الغرب والحصول على مقعد ضمن دول الاتحاد الأوربي، ولكن بعد عدة قضايا شائكة، وخاصة على الصعيد السياسي، وبالمقابل منذ عام 2011 أبدت تركيا اصطفافها إلى جانب قوى المعارضة والثورات في الشرق الأوسط وخاصة في ليبيا ومصر وسورية إلى جانب موقفها المؤيد للفلسطينيين مما جعل تركيا ملاذاً آمناً للعديد من المستثمرين الشرق أوسطيين، وبالمقابل ارتاحت تركيا لهذا الإقبال وزادت من محفزات جذب المستثمرين والاستثمارات من هذه المنطقة.

كم أنّ موقع تركيا الجغرافي كصلة وصل بين آسيا وأوربا وبوابة الغرب تجاه الشرق وبالعكس كل ذلك جعل من تركيا أكثر قرباً من شعوب الشرق الأوسط.

لقد ظهرت جدوى هذه الثقة التي توليها تركيا بالمستثمرين العرب والشرق الأوسطيين بشدة بعد انقلاب عام 2015 حيث غادرت العديد من الاستثمارات الأوربية والغربية ولكن على الاتجاه الموازي فإن الاستثمارات العربية زادت ولم تكترث بالوضع الأمني في تركيا، بل على العكس زاد إقبال الخليجيين والعراقيين على شراء عقارات في تركيا، ويمثّل القرار التركي الأخير محفزاً إضافياً خاصة للعراقيين والمصريين والليبيين لما تحمله الجنسية التركية من راحة أكثر من جنسيات بلادهم التي تعاني من أزمات عديدة، بل وربما الكثير منهم لا يستطيع الاستفادة من كامل حقوقه المدنية في جنسيتها الأصل نظراً لظروف سياسية معينة.

80% من المستثمرين العرب يرغبون بالاستثمار في العقارات التركية.

الشعور القومي التركي بأنّ تركيا أمة وليست مجرد دولة
إنّ من عاش مع الأتراك وخالطهم يشعر أنهم لا ينظرون إلى دولتهم تركيا على أنها دولة بالمعنى الحرفي، بل لا زال الكثير منهم يعيش أمجادهم كأمة حقيقية، لذلك دائماً ما يتطرقون لقضايا المسلمين في كل البلاد الإسلامية والعربية، فقد سارعت تركيا إلى دعم غزة ووقف الأتراك إلى جانب الغزاويين في أسطول الحرية وسفينة مرمرة وموقف الرئيس التركي في مؤتمر دافوس، ثم وقف الأتراك مع ثورات الشرق الأوسط، وكذلك وقفوا مع السعودية في عملية عاصفة الحزم، ولهم موقف وساطي في الأزمة الخليجية إلى جانب الكويت، وليس آخر ذلك الوجود التركي في شمال سورية، كل هذه الإجراءات منبثقة من الشعور التركي أن بلادهم مجمع لكل القوميات الإسلامية: العربية والتركية والكردية والفارسية، ولذلك لا يجدون حرجاً في اكتساب العديد من المواطنين الجدد من القوميات الأخرى.

هذه الأسباب الستة التي ذكرناها هي أهم ما دفع تركيا لاتخاذ هذه التعديلات على قانون الجنسية التركية للحفاظ على تزايد النمو الاقتصادي وارتفاع الناتج المحلي بالإضافة إلى أسباب ودوافع أخرى.