أكد الكاتب والمفكر السعودي جمال خاشقجي لـ”ترك برس” أنه لا يوجد ما يبرر موقف ولي العهد محمد بن سلمان من تبريده للعلاقات التاريخية بين تركيا والمملكة، مستهجناً ما يطلبه بن سلمان من تركيا بأن تقف إلى جانبه في استئصال الإسلام السياسي وغيرها من المواقف الأخيرة.
وأضاف في حوار اختص به الموقع، أن العالم العربي والإسلامي بحاجة ماسة إلى تحالف تركيا والسعودية وهو ما يكفل تحجيم التوغل الإيراني في الإقليم ودعم الموقف التفاوضي لكليهما مع طهران.
وشدد على أن تركيا تجسد بحق النموذج الإسلامي للديمقراطية الحقيقية التي يعتمد فيها النظام على دعم الشعب وأن الانتخابات التركية لا يعرف أحد نتائجها قبل فرز الأصوات وإعلان النتائج على عكس بعض البلدان التي تعلن نتائجها قبل الانتخابات، وأنه لا مجال للتشكيك بالديمقراطية التركية.
كما تناول العديد من القضايا المتنوعة في تفاصيل هذا الحوار.
* كيف ترى مستقبل العلاقات التركية العربية في الإقليم؟
– العلاقات التركية العربية كانت تسير بشكل صحيح، وهي مختلفة من دولة لأخرى… فتركيا لديها علاقات اقتصادية ممتازة مع الجزائر وتونس والمغرب وحتى الأردن صار بينهم علاقات قوية وألغي اتفاق ودشنوا بديلا له والعلاقات التركية السودانية جيدة وأخذت بعداً آخر.
والعلاقات التركية السعودية تمر بحالة من التبريد المتعمد من قبل المملكة، وهو نتيجة الموقف السعودي القلق من الإسلام السياسي، وشعورها بأن تركيا داعم أو شريك وربما باعتبارها نفسها تجسد الإسلام السياسي، ويمكننا أن نقول ان العلاقات بينهما اليوم باردة ولكنها لم تنقطع ولا تزال شعرة معاوية تميز علاقة المملكة بتركيا.
ولا تزال العلاقات بين البلدين جيدة بدليل أنه عندما سرب الإعلام المصري حديث الأمير محمد بن سلمان عن محور الشر بذكرهم تركيا – بغرض الوقيعة – سارعت السفارة السعودية في أنقرة ونفت ذلك وأكدت أنه لم يقصد تركيا، بل قصد الإخوان المسلمين. وهكذا تعاملت تركيا مع الموقف بشكل إيحابي وتجاوزته لأن البلدين بحاجة إلى بعضهما البعض.
* زيارة الأمير محمد بن سلمان لتركيا كان مقرراً ولكنها لم تحدث… هل يمكن استدراج هذا الأمر ويقوم بزيارة إلى تركيا؟
– لا أعرف شخصيا متى يمكن أن يقوم الأمير محمد بن سلمان بزيارة تركيا، ولكن ما أعلمه أن تلك الزيارة كانت مقرر لها أن تتم قبل زيارة أمريكا وكان هذا الموعد الذي اتفق عليه الأتراك والسعوديون، وأعتقد أن ما حدث يأتي في إطار تبريد العلاقة بينهما بحسب الموقف السعودي الحالي.
* هل ترى أن هناك ما يبرر هذه الحالة من برودة العلاقة مع أنقرة من قبل المملكة في عهد الأمير بن سلمان؟
– أعتقد أنه لا يوجد ما يبررها، وإنما لها علاقة برؤية السعودية اليوم في ظل تحركات ولي العهد بن سلمان والتي تضع المملكة نفسها في حالة حرب مع الإسلام السياسي وتريد أن تقصيه، والأمير بن سلمان أعلن عن ذلك عدة مرات بوضوح. وهو يريد من الأتراك الشيء المستحيل بأن يفعلوا الشيء ذاته، وأن يدخلوا في عداء مع الإسلام السياسي وهذا أمر شبه مستحيل واقعياً.
* أليس من الأجدى تحالف سعودي تركي يمكنه تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة العربية؟
– بالتأكيد في حال حصوله يكون له عظيم الأثر. ولكن هذا ما يسمونه الآن بالكلام الـ”ينبغائي”. وهذه الآن “غائيات” تظل في مجال القول ولكن كيف ننفذ ذلك. فإذا قررنا ذلك نحن الاثنين في حوارنا أنا وأنت لن يدفعهما ذلك إلى التحالف فنحن لسنا أصحاب القرار. ومع ذلك أؤكد لك فعلا أن التحالف بينهما ضرورة وواجب ولا بد من التعجيل بتدشينه؛ لكن للأسف واضح أن السعودية تقدم العداء للإسلام السياسي حالياً وهو ما يؤثر سلبا في علاقتها مع تركيا.
* ألا يدفع هذا الموقف الغريب من المملكة الدولة التركية دفعاً تجاه إيران وهذا ما نراه؟
– لا، لا، إطلاقا، تركيا دولة كبيرة لا يمكن أن ترتمي في حضن إيران أو غيرها. فتركيا تعرف ماذا تفعل وإن كانت تنسق مع إيران اليوم فذلك لأن إيران موجودة في سوريا، ولنفس السبب كذلك تنسق مع روسيا. وهذه هي السياسة، ولكن لا يمكن أن نصف هذا التعاون والتنسيق بأنه تحالف بينهما قدر ما أنه مجرد تعاون وتنسيق وأؤكد أن تلك العلاقة ليست في صالح المملكة 100%، وربما لو كانت العلاقات التركية السعودية في مستويات أعلى كان ذلك سيعزز بلا شك موقف تركيا وموقف السعودية في عمليات التفاوض مع إيران في سوريا، ولكن للأسف هذا لا يحدث حتى الآن واتمنى على المملكة أن تنتبه لأهمية علاقة تحالف حقيقية مع تركيا إذا أرادت فعلا التصدي للنفوذ الإيراني.
* تركيا تقع في محيط إقليمي متربص بها لا سيما من قبل أوروبا.. فكيف ترى تركيا في ظل هذا الوضع؟
– أعتقد أن على الأتراك أن يقللوا عن الحديث عن التربص والمؤامرات المحيطة بهم فكل العالم يتربص ببعضه البعض، ولكن الحكومات الحصيفة هي التي تعالج مشاكلها من منظورها الداخلي ومن منظور أخطائها وتقصيرها، وليس بإكثار الحديث حول التربص والمؤامرات، وأنا لا أميل لهذا. وأعتقد أن الحكومة التركية قوية بما يكفي وقادرة على ترتيب بيتها من الداخل وبالفعل هذا الخطاب متداول في الآونة الأخيرة ولكني لا أرتاح لذلك.
* يشكك البعض في الديمقراطية بتركيا، فما رأيك؟ وكيف ترى مستقبل أردوغان في هذه الانتخابات؟
– تركيا تتمتع بوجود ديمقراطية حقيقية يمارسها الشعب التركي، وكذلك انتخابات حقيقية ديمقراطية، ومن السهل معرفة وجود ديمقراطية من عدمه بأي دولة عندما لا تعرف من سيفوز بالانتخابات الجارية.
والواقع أن المرشح الحالي رجب طيب أردوغان قلق بطبيعة الحال وأنصاره كذلك قلقين، ولا يعرف أحد نتائج الانتخابات مسبقاً – كما يحدث في بلاد أخرى – والجميع تابع الجدل الذي صاحب الحديث عن ترشح عبد الله غُل الرئيس السابق، وهكذا أجواء تؤكد أن هناك ديمقراطية فعلا وأن أردوغان ليس ديكتاتوراً ولا سلطاناً كما يروج له خصومه، ونتمنى على الرئيس أردوغان أن يحافظ على صورة النموذج الإسلامي للديمقراطية، ولا نريده أن يتحول إلى سلطان ونريده أن يبقى الرئيس الديمقراطي الحاكم المنتخب.
بماذا تفسر الدعم الأمريكي المعلن لتنظيم “بي كي كي”؟ ألا يعد ذلك عدوانا على تركيا؟
– إعلان الإدارة الأمريكية دعمها للمنظمات الكردية التي تصنفها أوروبا وأمريكا نفسها وتركيا كمنظمة إرهابية أمر فعلا غريب وغير مفهوم، ولكن ذلك الموقف ربما كان نتيجة هذه أخطاء بالفعل نجمت عندما رفضت بعض فصائل الثورة السورية التحالف مع الأمريكان لمحاربة داعش قبل سنتين أو ثلاث، وهذه قصة معقدة وهل هي مؤامرة أم لا. الثوار اعترفوا بذلك. ولا شك أن الثورة السورية ليس عندها أصدقاء، وعلى كل حال تركيا تتعامل مع أمريكا الند بالند فيما يخص قضية الأكراد وحققت انتصارات جيدة في هذا الملف.
* طالت زيارة الأمير بن سلمان لأمريكا. فما هو السبب من وجهة نظركم؟
– يريد ولي العهد السعودي الأمير الشاب من أمريكا طرد إيران من المنطقة العربية، ووجد في مستشار الأمن القومي ووزير الخارجيه الأمريكي الجديد ضالته، ولكن كيف يمكن طردها من سوريا والعراق بدون توافق القوى المحلية والإقليمية والدولية الأخرى، لا سيما الروس وحساباتهم المختلفة ما يعقد المشهد ويعرقل طرد إيران التي لم تعد بحاجة لبذل الجهد للسيطرة على المدن السورية التي قام الروس بدكها وتدمير بنيتها التحتية.
كما أنه من المستحيل أن يقوم الأمريكي بالقتال جنباً إلى جنب مع الثوار السوريين على الأرض لإخراج إيران، ومن يتصور ذلك فهو واهم. وعبثا لن تقوى إسرائيل على ذلك حيث لا يهمها خروج إيران وهي سعيدة بما تفعله إيران ضد العرب السنة لإضعافهم لصالح إسرائيل.
* ما تفسيركم لموقف قائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي المعاكس لكل مصالح المملكة رغم أنها الممول الأول له، وذلك في اليمن وعلاقته بالحوثيين وفي سوريا ودعمه بشار وكذلك مواقف إيران؟
– تفسيري الوحيد أن عداءهم المشترك للإخوان المسلمين هو من جمعهم وجعل المملكة تبقي على دعمها للسيسي، لأنها تتوجس خيفة من الإخوان أو عودتهم للمشهد ويريدون استئصال شأفتهم نهائياً وهي قاعدة عند هذه الأطراف سميتها “الشيطان أم الإخوان”. وهي ما يحكم مواقف النظام المصري السياسية بحجة الإعلاء من شان مفهوم إبقاء الدولة، وهيبة الدولة وكيان الدولة ويقفون بقوة وراء بشار الأسد لأنه هو الذي يمثل الدولة، ولأن موقف السيسي مثل موقف بشار فهو يدندن على هيبة الدولة وتماسك الدولة.
أضف إلى ما سبق هوس السيسي بمحاربة الإخوان المسلمين في كل مكان، و يتخذ الموقف ذاته في اليمن ما يجعله يقف إلى جانب الحوثيين لأن أي هزيمة لهم في اليمن ستؤدي إلى صعود الإسلاميين من الإصلاح، وكذلك إذا سقط بشار فسيصعد الإسلاميون في سوريا وهذا للأسف ما يحكم السياسة المصرية وكذلك السعودية ما يجعلهما متحالفين حتى اليوم رغم التناقضات.
* مطالبة ترامب بالمليارات من المملكة حتى يستمر في سوريا وأنه يحمي عروش بعض دول الخليج وعينه على المملكة وأنه مصر على مساعدتهم لإنفاق ملياراتهم المتكدسة؟
– هذا موقف جشع وتصريحات غير لائقة، وهو يقصد كل دول الخليج وكل أموال الخليج وليسن المملكة وحدها. وهذا كلام غير لائق من ترامب، وأنا ما أحب أن أصف ذلك بالابتزاز فالمملكة دولة ذات سيادة تمارس تجارتها وتبحث عن مصالحها، وتريد بعض الفوائد من الأمريكان وتدفع تلك الأموال مقابل ذلك من سلع وأسلحة وغيرها، ولكن مثل أي شيء نتمنى أن تتم هذه الإجراءات بشفافية يطلع عليها الجميع.
* ألا ترى أن الإخوان ساهموا في بناء المملكة في بداية نهضتها فترة الستينيات وما بعدها؟
– هذا صحيح فقد كانت هناك مجالات كثيرة أسهم الإخوان المسلمين فيها بخيرة شبابهم في تلك الفترة، واستعانت بهم المملكة في أيام الملك فيصل في مجالات التعليم على وجه الخصوص والزراعة والتجارة والتعمير والبناء وغيرها من المجالات التي أسهموا فيها، فضلاً عن دعم الإخوان للسعودية في معركتها مع الناصريين في حقبة عبدالناصر ومواجهة المد الشيوعي آنذاك، واستمر التعاون لما بعد الملك فيصل وظل التحالف جيداً إلى أن ارتكب بعض الإخوان خطيئة تأييد صدام حسين – سامحهم الله – وكان موقفهم من حرب تحرير الكويت سيئا جداً، وشعرت المملكة منذ ذلك الوقت أنها طعنت من الإخوان، وآلمها ذلك الموقف بشدة فاستغل أعداء الإخوان في داخل المملكة ذلك الموقف وتحركوا للنيل منهم حتى أن موقف تركيا في عهد نجم الدين أربكان أيضا كان مشابهاً لموقف الإخوان من حرب الكويت، ورأته السعودية موقف جداً خاطئ، والإخوان دفعوا بسبب ذلك الموقف ثمناً باهظاً، ولا زالوا يدفعون حتى اليوم. وكان يجب على الإخوان الحرص على علاقتهم بالمملكة.
ترك برس